بالأمس قرأت قصة خاطفة كتبها قارئ سعودي على هامش تقرير خسوف نادر للقمر يستمر 100 دقيقة في سماء المملكة، وبحسب التقرير، حدد فلكي سعودي الـ 13 من رجب المقبل موعدا للخسوف الكلي النادر، إذ لم يرصد مثله في سماء المملكة منذ 40 عاما، فيما يتكرر نفس مشهد الخسوف بعد 65 عاما. وعطفا على ما جاء، كتب أحدهم بتعليقه على التقرير قائلا «لا أنسى ما حييت هذه الليلة، فأنا أتذكر هذا الخسوف. كنت بالطائف، وصلينا صلاة الخسوف بمسجد العباس، وكانت زوجتي وقتئذ بالمستشفى العسكري تضع ابنتى، وتبلغ ابنتي الآن (41) عاما الآن، فيما توفيت أمها بعد ولادة الفتاة الصغيرة. هنا دعني أكتب إليك هذه القصة، فقبل حوالي بضعة أعوام كنت أتابع تقارير قديمة لا علاقة لها بوفاة أحد ولا حياته مع اعترافي مسبقا أنني مسكون إلى العظم بفوبيا القمر. اكتشفت وقتئذ عن طريق الصدفة كاتبين من التراث الغربي وكلاهما مغرمان بتناول الموقف الإنساني على خلفية علاقة السلوك البشري بمنازل القمر. أكد الكاتبان بما هو وثيق الصلة بتأثيرات القمر من غير دخولهما في حقل الخسوف من عدمه وقتئذ أن 80 في المائة من الممرضات و64 في المائة من الأطباء في أمريكا يؤمنون أن القمر يؤثر على سلوك المرضى.
الكاتبان هما آرنولد ليبر وفيرجوس وود. يعمل الأول طبيبا نفسيا، وأما الآخر فيعمل في وحدة المسوحات القومية للمحيطات في أمريكا ولأسباب جنائية ترتبط بعلم النفس وجد الطبيب ليبر نفسه لأسباب مغرما بتتبع منازل القمر. في أواخر عام 1973، قرأ الطبيب النفسي تقريرا كتبه فيرجوس وود في إطار عمله، إذ تكهن فيرجوس وود من واقع دراسات فلكية أنه في يوم 8 يناير و7 فبراير من عام 1974 سوف تكون الشمس والأرض والقمر على خط مستقيم واحد، وأطلق على هذه الحالة تشخيصا فلكيا وسماه Syzygy. وعلى فكرة.. لا زال الناس في الغرب إلى تاريخه ومن قبل هذا التاريخ بسنوات يطلقون اصطلاح Transylvania hypothesis على ظاهرة العلاقة بين السلوك الإنساني ومنازل القمر. تكهن فيرجوس بالإضافة إلى نظرية الخط المستقيم أن «القمر سوف يكون قريبا جدا من الأرض»، وأن مياه المحيطات سوف تتجاوز المعدل الطبيعي للمد. وربما ينذر الموقف بكارثة.
في ذلك العام قرأ الدكتور آرنولد ليبر التقرير بتمعن، وتكهن فيما يخص عمله كطبيب نفسي بارتفاع معدلات الجرائم، وتنامي الاعتداءات في الشارع العام وخاصة بين مدمني المخدرات، واتصل بدوائر الاختصاص، وأطلعهم على توقعاته. وحان التاريخ الموعود الذي سبق أن حدده فيرجوس وود، واكتشف ليبر من واقع عمله في عيادته الخاصة، وزيارته مستشفيات ومراكز الشرطة أن فلوريدا تفيض جرائم واعتداءات كثيرة جدا.
استخدم الدكتور آرنولد ليبر في وقت لاحق الإحصاءات الرسمية للكشف عن مزيد من الحقائق، فوجد أن معدل الجريمة تجاوز في بحر ثلاثة أسابيع ضعف جرائم العام 1973 عن نفس الفترة، وتوصل ليبر من خلال أوراق أخرى ضمنها في كتاب له بعنوان Lunar Effect أن للقمر جاذبية قوية تسيطر على حركة الدم داخل الجسم البشري، وأنه كلما كان القمر أكثر اكتمالا واقترابا من الأرض فالكثير من الكوارث تقع لأن الناس العاديين وخاصة ممن يتناولون المخدرات وبعض المسكرات يفقدون السيطرة على أعصابهم ويصبحون أكثر ميولا لارتكاب الجريمة والاعتداءات، ناهيك عن أعمال الاغتصاب من عدمه، ولذلك يوصي أخصائيون مدمنين بالتقليل من تناول الخمور أو عدم الخروج من بيوتهم مطلقا في ذروة القمر.
وثبت في الغرب وقوع جرائم من غير دوافع بسبب مؤثرات ظرفية للقمر، وفي أمريكا وجدوا أيضا أن نسبة استقبال المستشفيات النفسية لضيوف جدد يأتون إليها تتزامن مع ذروة القمر، ويتفق علماء الحيوان أن هجرات الدبب وأسماك السلمون والطيور تنشط بالتزامن مع ذروة القمر.
وذات مرة ظهر اثنان من أشهر الاستشاريين البريطانيين في الحقل الفلكي وهما ديب هولدنج وديفيد مكمين، وقالا إنه توجد تأثيرات قمرية تقف وراء انهيار البورصة. لقد كتبوا منذ ذلك الوقت عشرات الأبحاث حول القمر بوصفه مصدر تأثير حيال الجنوح للعنف في الشارع العادي، وكتبوا أيضا بفرضيات وغير فرضيات حول علاقة انهيار البورصة بمؤثرات القمر. وفي أوائل الثمانينيات مثلا كتب إدوارد زيجلر مقالا في إحدى المجلات العلمية حول منازل القمر. وفي الواقع فالمقال لا يضيف جديدا إلى انسكلوبيديا القمر بالقدر الذي تمكن فيه الكاتب من وضع عناوين تثير الفضول الإنساني بالتنقيب في فضاء مشحون بتناولات المستقبل.
وفي علم النفس يعتبر الأخصائيون انفعالات الشهوة والغضب مسؤولة عن قرارات مصيرية تطال الإنسان بالهلاك. وهكذا فالدافع الفسيولوجي لا يولد فجأة، ولا يمكن عزله بشكل أو آخر عن مفردات البيئة الأخرى. والمتتبع للأثر الإسلامي يلاحظ أن صيام الأيام البيض بعد الثالث عشر من كل شهر يعتبر علاجا يدرأ حمأة الغضب ويكبح جماح الموقف الشهواني في الإنسان. ومن هنا نجد أن أناسا صالحين يصومون ثلاثة أيام تقع في منتصف الشهر.
منقول من مقال الكاتب عبدالله عبدالحكيم في جريدة عكاظ